ArchiNet آركي نت

00966534565511

ArchiNet is a leading platform that brings together architects and interior designers from across the Arab world, fostering a vibrant and collaborative community. Established with the goal of enriching the architectural and design landscape, ArchiNet provides a space for knowledge exchange, networking, and professional growth. The platform hosts a variety of activities, including the annual Arab Architecture Week, which celebrates regional achievements and contributions to architecture and design, as well as regular design meetups, exclusive talks, and insightful interviews with industry experts.

ArchiNet is committed to supporting both emerging and established professionals by facilitating opportunities for collaboration, mentorship, and exposure to the latest trends and practices in the field. By partnering with organizations, competitions, and events, ArchiNet actively promotes the exchange of ideas, showcases innovative projects, and provides a platform for sharing experiences and best practices. It stands as a central hub for those passionate about advancing architecture and interior design in the Arab region, empowering members to engage with a community that values creativity, expertise, and the ongoing development of the profession.

الآفاق الزمنية: تباين تصورات الغد بين العالمين العربي والغربي

الآفاق الزمنية: تباين تصورات الغد بين العالمين العربي والغربي

التفاعل بين البيئة والإدراك في نسيج الوجود البشري الواسع يؤثر بعمق على رؤيتنا الجماعية للمستقبل. تستكشف هذه الرحلة الفسيفساء المعقدة للآفاق العربية والغربية تجاه الغد، مع فحص كيفية تشكل البيئات المتنوعة للوعي الجمعي لكل من المجتمعين. تقف جمالية الأراضي القاحلة والكثبان الرملية المتغيرة باستمرار في تناقض مع التلال الخضراء والمناظر الطبيعية الغنية في الغرب، حيث تترك كل بيئة أثرها اللافت على التعبيرات الثقافية، من السرد الادبي والمعتقدات الدينية إلى المعالم المعمارية. مهمتنا هي كشف الخيوط التاريخية التي تنسج معًا مختلف التصورات الزمنية والطموحات


2.png

الرموز الثقافية والسيمائيات البيئية

في العالم العربي، الصحراء ليست مجرد ظاهرة جغرافية، بل رمز ثقافي عميق مشبع بمعانٍ متعددة. مفهوم "العمل المفتوح" لأومبيرتو إيكو مفيد بشكل خاص هنا. في "العمل المفتوح"، يناقش إيكو الأعمال الفنية والنصوص التي تكون متعمدة النقصان أو التي يكتسيها الغموض، مما يسمح بمجموعة من التفسيرات من قبل الجمهور. عند تطبيق هذا على الصحراء، فإن الظروف القاسية للصحراء وقلة موارد الحياة فيها تدفع ساكنيها لقراءتها بطرق ابداعية ومتجددة باحثاً عن طرق جديدة للنجاة تحت تلك الظروف. لذلك يميل قاطنيها لرؤيتها كنص مفتوح: فسعتها وسيولتها تسمح بتفسيرات ثقافية متنوعة، مما يجعلها رمزًا قويًا لزوال الحياة وشاهداً على مرونة البشر في البقاء على الحياة

بالمقابل، يمكن تحليل المناظر الطبيعية الخصبة والمستدامة للعالم الغربي باستخدام نظرية إيكو عن "النصوص المغلقة"، كما ورد في كتابه "حدود التفسير". النصوص المغلقة هي تلك التي تكون فيها المعاني أكثر تحديدًا وتقييدًا، مما يوجه القارئ أو المراقب نحو تفسيرات محددة. غالبًا ما ترمز المناظر الطبيعية الخضراء ووفرة موارد الحياة المستقرة في الغرب إلى الاستمرارية والاستقرار وإرث يتجاوز هشاشة الحياة البشرية ويعطي شعوراً بالاستغناء

 

تعمل هذه المناظر الطبيعية كرموز ثقافية لمجتمع يقدر السيطرة ويسعى للدوام للقوة سواء في بيئته أو في منتجاته الثقافية. هذا واضح في السردية الغربية للتقدم، حيث يُنظر إلى السيطرة على الطبيعة من خلال الزراعة والتطوير الحضري كمؤشر على تقدم الإنسان وتفوقه. تُعد التلال الخضراء والجبال الراسخة رمزًا لنظرة عالمية تطمح إلى مستقبل مضبوط ومتوقع وهي مكون رئيسي من وعود الحداثة الغربية

 

الفن كانعكاس ثقافي

يعد الفن مرآة قوية تلتقط جوهر روح الثقافة. نرى ذلك جليا في العالم العربي، حيث تروي الصحراء حكايات الانتقال ومرونة التكيف، غالبًا ما تجسد التعبيرات الفنية إيقاع الحياة الديناميكي على الرمال المتحركة. تعكس الزخارف العربية المعقدة والأنماط الهندسية الساحرة في الفن الإسلامي القوانين العلمية والنظام الذي يقف عليه هذا العالم المتغير في حالة كينونة مستمرة، لتعكس حاجة العربي التواقة لما يطمئن روحه لتسكن إليها وتجذرها فيما هو ثابت وغير متقلب

على النقيض من ذلك، يعكس الفن الغربي، الذي يتميز بتركيزه على ديمومة المناظر الخضراء، مفاهيم الاستمرارية والملكية، ويظهر ذلك جليًا في عصر النهضة، حيث يُحتفل بانتصارات الإنسان وتمجيد الحياة الدنيوية. فنانون بارزون مثل ليوناردو دا فينشي وميكل انجيلو أبدعوا في رسم الشكل البشري، معتبرين إياه رمزًا للقوة الأبدية، مما يعكس سعي الغرب نحو خلق إرث يبقى على مر العصور. كما يُظهر اهتمامهم بتطوير تقنيات الرسم المنظوري، والتي تعمل على التقاط الواقع وتجسيده في لوحات فنية رغبتاً في تملكها وتوثيقاً لتلك اللحظات عبر الزمن 

 

الدين ورؤية المستقبل

تلعب المعتقدات الدينية دورًا حاسمًا في تشكيل الآفاق الثقافية لما هو آت. في الساحة الصوفية، كتيار روحي ضمن الإسلام، تبرز كمثال فريد على تأثير البيئة على التجربة الدينية. تنشأ الصوفية في مناطق مختلفة، لكن لها جذور عميقة في البيئات الصحراوية التي تغلب على العالم العربي. الصحراء، بامتدادها الواسع وقسوتها، تفرض تحديات خاصة تنعكس في التصوف من خلال التأكيد على فكرة الفناء والتجرد من الماديات

الممارسات الصوفية مثل الذكر والتسبيح الجماعي تهدف إلى تحقيق الوحدة مع إرادة الله، معبرة عن تقدير عميق للحياة كرحلة روحية تتجاوز الارتباطات الدنيوية

تعلم الصحراء الصوفيين كيفية التعايش مع عدم اليقين والتقلبات الحياتية. البيئة القاحلة والمناظر الطبيعية البسيطة تسهم في تطوير منظور يرى الجمال في التقشف ويجد الراحة في العزلة، مما يعزز تقدير اللحظة الحاضرة والبحث عن معنى أعمق في العالم الروحي وبالمقابل جعلته ميالاً للزهد بالدنيا وظواهرها المادية

في المقابل تتبنى العديد من التقاليد الروحية في الغرب، نظرة ترى الكون كمخلوق مرتب ومحدد بأمر إلهي، حيث توجد خطة مسبقة واضحة للمستقبل. هذه المعتقدات التي تعزز فكرة الخلاص ورؤية كونية ثابتة، تسهم في تشكيل منظور يميل نحو الاستقرار والدوام، كما ناقش لين وايت جونيور في مقالته "الجذور التاريخية لأزمتنا البيئية". وفقًا لوايت، فإن هذا النمط من الفكر قد شجع على استغلال الموارد الطبيعية بطريقة قد تكون متعارضة مع الاستدامة البيئية. إن الرؤية الدينية التي تُعلي من شأن الإنسان وتُعطيه السلطة الأخلاقية لتسخير الطبيعة قد سهلت تطوير سياسات تُظهر قلة الاهتمام بالعواقب البيئية طويلة المدى

 

البيئة العمرانية كشاهد ثقافي

في تفكيك ألغاز العمارة والتخطيط العمراني، تبرز الحاجة الماسة لفهم أعمق للمكونات الفضائية التي تشكل نسيج أي مدينة أو مبنى. يوضح الدكتور وليد أحمد السيد في مقاله (السالب والموجب بين العمارة العربية والغربية في التصميم الحضري) جوهر هذه المقارنة في التعرف على الفروق الجوهرية بين الفضاءات الفراغية في العمارة العربية التقليدية مقابل العمارة الغربية المعاصرة. حيث يوضح أن هذه المساحات، المعروفة بالحيز الفراغي الموجب والسالب، تحمل أبعاداً ثقافية واجتماعية عميقة تتجلى بوضوح في تخطيطها واستخدامها. الحيز الفراغي الموجب، يتكون من الكتل المعمارية كالجدران والفواصل التي تفصل الداخل عن الخارج وتميز العام عن الخاص. في العمارة العربية، يظهر هذا الحيز بشكل يمكن وصفه بالعفوي وغير المنظم، حيث تتداخل الشوارع والأزقة بشكل يبدو طبيعياً وتدريجياً من المتسع إلى الضيق. هذا التنظيم يعكس البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمعات العربية التي تعتبر الخصوصية والألفة عناصر مركزية

 

كما يوضح الدكتور خالد عزب في كتابه "فقه العمران “أن التخطيط الحضري للمدن يستند إلى مبدئين فقهيين رئيسيين هما: حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) "لا ضرر ولا ضرار" والآية القرآنية "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، هذه المبادئ تشكل أساس التنظيم الذاتي للفضاءات المشتركة والبينية في النسيج العمراني، مما يسمح بتكيُّفه وتفاعله المستمر مع مستجدات الحياة عبر الأزمنة والأمكنة

من ناحية أخرى، تظهر المدن الغربية تخطيطاً معمارياً يركِّز على الحيز الفراغي السالب، حيث تحتل الشوارع والساحات مكانة مركزية، غالباً ما تكون مستقيمة ومنظمة بشكل يبدو مفروضاً على الكتل المعمارية المحيطة. هذا النهج يعكس قيم الوضوح والتخطيط والتنظيم، والتي هي حجر الزاوية في الفكر الغربي المعاصر. مثالًا على ذلك، تخطيط مدينة باريس الذي قام به جورج أوجين هوسمان، حيث تم تصميم الشوارع والبوليفارات بطريقة تسبق الاستيطان وتحدد أساليب الحياة المستقبلية

التحليل المفصل للنظم العمرانية لا يقتصر على الملاحظة السطحية لتوزيع المساحات، بل يمتد ليشمل الدور الذي تلعبه هذه الفضاءات في التأثير على التفاعلات اليومية وتشكيل الهوية الثقافية. من خلال استكشاف هذه الديناميكيات، نستطيع أن نرى كيف تؤثر العمارة والتخطيط العمراني ليس فقط في شكل المدن، بل وفي نسيج حياة من يعيشون فيها، مع مراعاة الفروقات الثقافية والاجتماعية العميقة بين المجتمعات

 

الخلاصة: جسر الرؤى الزمنية الثقافية مع تجولنا عبر المشهد الغني للتعبيرات الفنية، السرد الأدبي، والمعتقدات الدينية، والتخطيط العمراني للمدن، تبرز الرؤى المتباينة للمستقبل بين العالم العربي والغربي بوضوح.

الصحاري المتغيرة والمناظر الخضراء الثابتة لها تأثير عميق على هذه الرؤى الثقافية، مخلفةً إرثًا دائمًا على التراث الفني، الأدبي، الديني، والمعماري. تدعونا هذه الرؤى الزمنية المتنوعة، المنحوتة من بيئاتها المتباينة، إلى التأمل في الطيف الواسع لطموحات الإنسان ونحن نستشرف مستقبلات غير مكتشفة بع.

في مواجهة التباينات البيئية بين العالم العربي والغربي، تبرز الاختلافات اللافتة في استجاباتهم الوجودية. في النطاق العربي، حيث تتميز الأراضي بقسوتها وندرة المساحات الخضراء، تظهر فلسفة للوجود متأصلة في الزوال بدلاً من الديمومة، مفضلة البرية اللامحدودة على حدود الحضارة. آفاق الصحاري الواسعة تخدم ليس فقط كلوحات لتأمل الكون، بل أيضًا كمسيِّلٍ لتشكيل الروح العربية - روح تتوق لتجسيد الشجاعة، الكرم، الشهامة، والشرف.

في المقابل، نرى كيف أن الغرب، عبر العصور، طور أدوات تمكنه من الاستفادة من موارده وتحسين جودة الحياة، مما أدى إلى حياة أكثر تطورًا وتعقيدًا. ومع ذلك، نرى كيف أن التزام الغرب بقراءته للعالم "كنص مغلق" قد أوصله إلى الصدام مع الطبيعة، مما يضطره اليوم إلى إعادة النظر في طريقته لفهم العالم

 

لقد زرع هذا الانقسام البيئي أخلاقيات ثقافية متميزة في كليهما: في العالم العربي، روح مرنة مثل الصحراء، تتقبل الزوال. وفي الغرب، روح دائمة مثل التلال الراسخة، تسعى لنقش علامة دائمة على الأرض. وبينما نقف على مفترق طرق هذه الرؤى الزمنية، نُدعى للتفكير في كيفية تشكيل بيئاتنا لرؤيتنا للمستقبل، وأي إرث نختار أن نتركه وراءنا، وكيف يمكن لهذا التباين في المنظور أن يثري استدامة حضارتينا 

كتابة المعماري: عبد الرحمن زياد عجينة