ArchiNet آركي نت

View Original

كيف لنا رسم طرق جديدة لتصور علاقتنا بالبيئة انطلاقًا من فكرنا الخاص؟ - بواسطة عبدالرحمن زياد عجينة

إنطلاقاً من رؤيتنا الخاصة لمفهوم البيئة نرى أن وجودنا يشبه الاقتران الديناميكي اللحظي بين نصفين الفرد وبيئته ، وأن الواقع الملموس للإنسان هو نتاج هذا الاقتران. و لكي نفهم انفسنا و بيئتنا بشكل اصيل نحتاج الى تتبع العملية التي تنشأ منها وساطة الوجود البشري في محيطه الملموس 

و من هنا إذا أردنا ان نعطي مثالاً لتوضيح ما يترتب عليه هذا المفهوم فلن نجد أفضل من الحصان العربي الاصيل الذي يفتخر به العرب عبر العصور، فأصل الخيل جاء من بدو آسيا و أستأنسوها ثم إقتناها العرب، فالخيل منتشر في مختلف أنحاء العالم و أخذ أشكالاً و خصائص متعددة و لكن ما الذي ميز الخيل العربي دوناً عن غيره من الخيول و ما هو معنى أصالته


فسنجد أن أهمية الاشياء تختلف و ترتبط حسب ندرتها وأهميتها في بيئتها و من هنا نجد أن حياة العربي و بيئته قد ساهمت في تشكيل هويته الاصيلة، فالعربي يعرف بالتنقل و الترحال بحثاً عن موارد الحياة و بخوض المعارك و بالتجارة و قطع المسافات الطويلة ، و إذا ربطنا هذا الاسلوب للحياة بالبيئة الصحراوية الصعبة و القاسية فسنجد أن ما يميز الحصان العربي هي درجة الكفاءة التي استطاع الوصول اليها في ظل هذه الظروف، و إن أردنا إستخدام مصطلح أدق فهي بلاغته، لأن الكفاءة تنظر له من البعد الوظيفي البحت، أما البلاغة فتأخذ بالاعتبار أثره على النفس، فإزدياد رشاقة الخيل و سرعته و إستجابته لما تتطلبه مناورات الحروب، زادت أيضاً من جماليته و من أثره على النفس الذي يحرض المستقبل و هو الفارس العربي على التزود من صفاته و تجعله في حاجة الى توصيل هذا الأثر و التعبير عنه لذلك نراه موجوداً في كثيرٍ من شعر العرب فالخيل يتشكل من أسلوب حياة العربي و بيئته و يشكل حياته و صفاته

 

كذلك العمارة العربية الأصيلة، فإن العربي عندما دخل الأندلس نقل معه حس البلاغة و أهمية و حساسية العربي لموارد الحياة ، فالماء كان يسمى عند العرب بالذهب الأزرق لأهميته في البيئة الجافة و قيمة النباتات له و إختلاف استجابته للجمال و ارتباطها بالرشاقة و الخفة و الشاعرية بسبب الخيل و الشعر، ولا يمكننا تجاهل سمو أخلاقه و إحسانه في تلك الفترة من الزمن و التي إنتقلت معه و نجدها متجليتاً بشكل واضح في عمارة قصر الحمراء و في أعمدته الرشيقة و مقرنصاته التي تسمو بالسقف إلى السماء، و الذي لم يكن يحاكي بها اي شكل من أشكال العمارة المحلية التي كانت ثقيلة و ضخمة، مع أن البيئة كانت نفسها لكلى المجتمعين، إلا أن حساسية العربي تجاه بيئته و تقديره لها جعلته يتأثر بها بشكل أكبر و يعيد صياغة العمارة لتعبر عنه ليسمو بها و تسمو به. فهي علاقة مسار و أخذ و رد و حالة كينونة مستمرة تشكل كل منهما الآخر

 

و من هنا نتوصل بأن الأصالة لا تباع و لا تشترى، و ليس لها شكل أو وصفه هندسية تصميمية خاصة، بل هي سلوك ينبع من إستجابة الانسان تجاه بيئته الخاصة و تاريخ تفاعل يستمر ليبني مستقبله معها، و لا معنى لحداثة لا تأخذ بالاعتبار منظور قاطنيها و لا تعبر عنهم و عن طريقة حياتهم، و هي خاصة ببيئتها و مجتمعها و تحتاج لتشكيلها الاستفادة من تنوعنا و اختلافاتنا لتستجيب لمختلف أبعاد واقعنا بالشكل الأبلغ. نريد أن نشعر بالارتباط مع الأشياء من حولنا. نحن بحاجة إلى ثورة وجودية ومنطقية للتغلب على الثنائية الديكارتيه ، يعني هذا احترام التاريخ والبيئة ، ليس من خلال محاكاة الأشكال السابقة بعبودية ولكن عن طريق إنشاء أشكال جديدة من وساطة كل مكان، من خلال متابعة تاريخه بدلاً من تجاهله أو تجميده بعمق