ArchiNet آركي نت

View Original

العمارة العربية الأصيلة - بواسطة عبدالرحمن زياد عجينة

العمارة العربية الأصيلة

 البحث عن الأصالة في الهوية العربية للعمارة أَرَق فكر الكثير من المهندسين المعماريين وأخذ أَشْكَالاً كثيرة وطرق مختلفة للتعبير عنها،  فمنهم من تمسك بالتراث العربي والإسلامي وأخذ يضع الزخارف على المباني الحديثة ومنهم من شكل من الزخارف شكل المبنى ومنهم من تعمق في فهم الماضي ليستنسخ تصاميمه بطابع عصري ومنهم من آثر الانعزال عن المدينة الحديثة والتوجه إلى الريف ليعيد بناء وتشكيل المجتمع انطلاقًاًّ من تشكيل عمارته.

 كل هذه المحاولات نابعة من ضرورة الإجابة عن هذا السؤال والتحدي الذي يواجهنا،  ولا بد لنا من تقديرنا لكل هذه المحاولات التي تؤكد مشروعية وأهمية هذا الموضوع وضرورة استمرار موروثنا ليشكل مستقبلنا دون  حصول انقطاع وغربة عن ماضينا


 لقد أخذ هذا الموضوع جلّ اهتمامي في العشر سنوات الماضية وحرصت في بداية مشواري على فهم مدارس العمارة الحديثة فهم عميقاً قبل الدخول في دراسة العمارة العربية لكي لا أضع نفسي تحت تأثير عاطفتي تجاه عمارة الحضارة الإسلامية

من خلال مسيرتي البحثية في هذا المجال وجدت أن المعضلة تكمن في تحديد نقطة البداية التي يجب الانطلاق منها للبناء على شيء صلب وحقيقي.وفي هذا المقال سأخصص الحديث عن اللبنة الأولى وهي الاختلافات في مفهوم البيئة ومن ثم سأتبعه بسلسلة من المقالات التي تناقش آليات البحث عن العمارة العربية الأصيلة

المفهوم الغربي للبيئة

 نجد أن الاختلافات بين الحضارة الغربية والشرقية ليست سطحية وليست شكلية، وان المنظور الذي يشكل العمارة الغربية الحداثية مختلف تماما عما شكل العمارة العربية جَوْهَرِيًّا،  فإذا أردنا أن ننظر لتعريف البيئة باللغة الإنجليزية  (Environment)  فهي مجموعة العناصر الحيوية والكيميائية والفيزيائية التي تحيط بالكائن الحي أو بمجموعة من الكائنات الحية التي تؤثر على وجوده وبقائه

 نلاحظ أن المنظور العلمي يسيطر على تعريفه لبيئته فينظر لها من عين خارجة عنه تحكم عليه وعلي الكائنات والموجودات وتضعه في نفس الدرجة وأنها علاقة بين أشياء تتفاعل مع بعضها وتؤثر كل منها على الأخرى.  ويعزى هذا المنظور إلى فكر عصر النهضة وتحديداً الازدواجية الديكارتية بين الذات والموضوع، والمعروفة بعبارة أنا أفكر إذا أنا موجود، يصبح تعريف البيئة من هذا المنظور المادي العلمي الذي يحول البيئة إلى مفهوم عالمي وأنها واحدة لجميع الكائنات، ومن هنا نجد رفض الثنائية الحديثة الوساطة بين الذات والموضوع واعتمدت على النظرة العلمية الأحادية وفرضت على جميع الأوساط التجريد الذي أشار إليه ميس فإن دير روه على أنه فضاء عالمي

تتجسد هذه الهندسة المجردة في ما أطلق عليه فيليب جونسون في الثلاثينيات من القرن الماضي النمط الدولي التي تنتشر فيه نفس الخطوط المتوازية في جميع أنحاء العالم

لم يكن ما يسمى برد فعل ما بعد الحداثة أكثر من مجرد تجسيد لنفس المبدأ، واستبدل الحتمية الحداثية في كل مكان، والنتيجة هي ما يسميه ريم  كولاس فراغات الخردة،  بينما كان يحلبها بسخرية لتحقيق مكاسب شخصية

يصبح المهندسون المعماريون كائنات متسامية تظهر غرورهم من خلال البيانات المعمارية الفردية التي تتجاهل التكوين الحضري عندما يجب أن تنطلق العمارة في الواقع من التاريخ والبيئة

مفهوم البيئة العربي

في المقابل نجد أن تعريف البيئة في اللغة العربية هو المنزل والحال، على قِصَر التعريف واختصاره إلا أننا نجد أنه قد جمع بين البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية والبيئة الرمزية ونرى كيف أن الذات البشرية هي التي تتوسط المشهد دون اختزال.  فالمنزل يشعرك بالانتماء والاحتواء وأنه يكتمل معناه بوجودك، والحال يوحدنا مع بيئتنا فيصبح حالنا من حالها، وهي بطبيعتها في حالة كينونة مستمرة وتقلب حي، كما أنه مصطلح عابر للمجالات فهو يشمل حالك وحال بيتك وبيئتك أو حال عملك يمتد ليشمل جميع أبعاد ما حولك

 ومن هنا نجد أن المدن العضوية الطينية كانت نتيجة طبيعية لهذا المنظور، لم يكن هناك نظرة استعلاء على الأرض وكانت هناك علاقة شغف واهتمام وانتماء لبيئته مما جعله مهتما بفهم خصائصها واستقراء كل عناصرها وتفاصيلها لتؤثر عليه وتشكله وتعيد تشكيلها بوساطته، فهي علاقة تكامل لا اغتراب واحتواء لا صراع